شباب الثورة والسلاح.. تحوّلات ومآلات

شباب الثورة والسلاح.. تحوّلات ومآلات

23 ابريل 2015
+ الخط -

إذا كانت أصابع أطفال درعا هي من أعطت للربيع السوري شرارته، فإن سواعد الشباب السوري هي من جذرته عبر مده بالدم والتضحيات و"الفدائيين" الذين نظموا المظاهرات "الطيارة" الأولى، في محاولات بكر لتلمّس القابلية للثورة في شارع غيّب الاستبداد ملامحه طيلة عقود.

إلا أن التدقيق في نوعية الشباب المشارك في الاحتجاجات عام 2011 تحديداً، سيعطينا مؤشرات قد تكون مفيدة للدارسين والباحثين، لاحقاً، لمعرفة الأسباب الأخرى لجنوح الشباب نحو التسلّح، على اعتبار أن السبب الأول والأكيد هو مقدار العنف والرصاص الذي استخدمه النظام ضد حناجر سلمية تهتف للحرية.

توّزع الجيل الأول، على فئتين:

الأولى: فئة الشباب الناشط من فترة ما قبل الثورة، ويتوّزع هؤلاء على عاملين في الشأن الثقافي والفني والاجتماعي، وأبناء ومقربين من معتقلين سياسيين سابقين وممن تأثروا بتجربة "لجان المجتمع المدني" في ربيع دمشق (2000) الموؤود والذي بقي حلماً يسعون لاستعادته، فشكل انطلاق الربيع العربي، في تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين، محفزاً إضافيّاً لنقل أحلامهم إلى الواقع.

الثانية: فئة الشباب المهمّش والمقصي عن دائرة الفعل السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، ممن تأثروا بدورهم بثورات الربيع العربي والتحقوا بها في الشارع، ساعين لتحسين أوضاعهم الاقتصادية في مستوى أول والسياسية في مستوى ثانٍ.

الفارق بين الفئتين، أن الأولى استند تظاهرها إلى وعي مسبق بطبيعة النظام واستبداده، وبمعنى الحرية وضرورتها، أي ثقافة مدنية تجد في اللاعنف والسلمية والتداول السلمي للسلطة مستنداً ثقافيّاً لها، في حين أن الثانية تحوز مقداراً أوسع من ثقافة أهلية لم يتح لها يوماً التطوّر نحو ثقافة مدنية.

وكون التأثر بالربيع القادم من الخارج السوري لعب دوراً لدى الفئتين في تسريع انخراطهما في الحراك، فإن جنوح الثورة الليبية نحو السلاح وطلب التدخل الخارجي الذي انتهى بإسقاط النظام، كان له انعكاسه المباشر على تفكير الفئتين، خصوصاً بعد عجز التظاهر عن تحقيق شيء يذكر، واستخدام النظام قمعاً، تصاعد يوماً بعد يوم، أدى إلى حرمان الناشطين من امتلاك "ميدان تحرير" يعتصمون فيه.

تحت ضغط النموذج الليبي، اختلفت آليات كل فئة، تبعاً لاختلاف ثقافة كل منهما، فأصرت الأولى بأغلبها على السلمية ورفض العنف، في حين جنحت الثانية نحو العنف بسبب من تكوينها الأهلي ووجودها في بيئات مسحوقة ومهمشة أساساً، ليتغذى هذا الكبت والعنف الكامن من عنف النظام الذي كان أحد أهدافه دفع الحراك نحو التسلّح.

وإذا كان شباب الفئة الأولى تمكنوا طيلة أشهر عام 2011 من كبح جماح الفئة الثانية عن الرد على العنف بالعنف ما أمكن، فإن تعرّض هذه الفئة للاعتقال والتصفية تحت التعذيب والهرب خارج البلاد خوفاً على حياتهم، بالتوازي مع تجريف القمع للبيئات الحاضنة للتظاهر عبر قصفها بالمدافع والرصاص والطائرات لاحقاً، أدى لأن تتحوّل القوة من أصحاب الفئة الأولى إلى الثانية، التي ما كان يمكن ردعها عن الدفاع عن نفسها بطبيعة الحال أمام هذه الاستباحة، فجاء حمل السلاح كنتاج لهذه التحولات أولاً، وليحاكي مزاج الشباب الأهلي الذي يرى في حامل السلاح "زينة الشباب" ثانيّاً، ونزولاً عند ما بات يوّفره الأمر من وفرة مالية ثالثاً، جرّاء دخول دول إقليمية على باب تسليح الثورة لحصد موطئ قدم في صراع بات إقليميّاً ودوليّاً، ولقتل الثورة في الأرض السورية، أيضاً، خوفاً من تمددها نحو بلدانها عبر إغراقها بالسلاح والتطرف والإرهاب.

بعد التسلح، وبالتوازي مع استنقاع الصراع السوري في حالة "لا غالب لا مغلوب"، سيدخل عاملان مختلفان كليّاً عما سبق في التأثير على الشباب لجهة علاقتهم مع السلاح والمليشيات، وهما: الأيديولوجية والعامل الاقتصادي.

شكلت الأيديولوجية نوعاً من مبرر لحامل السلاح، فأصحاب الدولة المدنية الأقرب لرؤية علمانية انضووا في إطار الجيش الحر، في حين انضوى الساعون إلى دولة مدنية بخلفية إسلامية في كتائب توصف بالمعتدلة، فيما ذهب الأكثر تشدداً نحو دولة إسلامية لا تخفي ميولها الجهادية (أحرار الشام، الجبهة الإسلامية..)، وتوّزع أصحاب المشروع الجهادي القاعدي بين النصرة وداعش.

وطوال زمن الثورة وعدم قدرتها على الحسم بالتزامن مع تراجع الاقتصاد السوري وتحوله إلى اقتصاد أزمة، دُفع قسم كبير من الشباب المنعتق من أية أيديولوجية وأولئك المؤمنين بأيديولوجية ما أحياناً للالتحاق بحاملي السلاح تحت ضغط الحاجة المادية. وهذا أمر وصل حد أن أشخاصاً معارضين التحقوا في قوات الدفاع الوطني التي تقاتل إلى جانب النظام في العام الرابع للثورة جراء عدم قدرتهم على مواجهة ضغوط الحياة الاقتصادية كما ذكر أحد التقارير.

من جهة أخرى، فإن انخراط الشباب المؤيد للنظام في حمل السلاح، بدأ في مستوى أول عبر التطوّع في الجيش والأمن، وفي مستوى ثانٍ عبر تجربة اللجان الشعبية التي تكونت في القرى والأحياء بدعم من القوى الأمنية وبشكل مجاني تطوعي في البداية. إلا أن كثرة الانشقاقات في صفوف النظام وتهرّب الشباب من الخدمة الإلزامية دفع الأخير لتمويل اللجان الشعبية ومأسستها برعاية إيرانية، فيما بات يعرف بالدفاع الوطني الذي استقطب عدداً من الشباب من باب الحاجة المادية بعد تراجع قدرة الاقتصاد السوري على تأمين فرص عمل، عبر استدراج "ذكي" من السلطة، حين أوهمتهم أن مهمتهم حماية أحيائهم ومدنهم فقط دون غيرها، ليتم زجهم في كل مناطق الصراع بعد توّسع هزائم النظام.

اليوم، تتراجع قدرة الأيديولوجية على استقطاب الشباب لصالح تقدّم العامل الاقتصادي المادي الصرف الذي بات يطغى على ما عداه، ناهيك عن اضطرار الأيديولوجي أو ما تبقى منه للرضوخ، أيضاً، للعامل الاقتصادي ولو من باب التكتيك، الأمر الذي يشي بمستقبل خطير يجعل من حاملي السلاح مجرد أرقام ووقود لمن يموّل ويسلح وفي هذا مقتل للثورة أيضاً، تحت يافطة "إسقاط النظام"!


(سورية)

المساهمون